اقتباس من كلمة الشيخ ديل رنلند، عضو رابطة الرسل الاثني عشر في كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، خلال المؤتمر العالمي العام للكنيسة في أكتوبر/تشرين أول ٢٠١٧
تصوروا معي قذيفة يجري إعدادها وتهيئتها للوضع على قاعدة الاطلاق لكي تكون جاهزة للانطلاق. الآن تصوروا معي عملية الاشتعال. يتحول الوقود، في عمليات الاحتراق الدقيقة إلى غازٍ حارٍ ينفجر مُولداً بذلك القُوة الدافعة والضرورية لدفع القذيفة إلى الفضاء. يتم فقط إدراك قيمة وأهمية حمولة القذيفة عندما تصل هذه القذيفة إلى المكان المرغوب وتعمل كما ينبغى. لا تحتاجون إلى الكثير من الذكاء لكي تدركوا أن الأقمار الاصطناعية لا فائدة لها إن بقيت في المخزن على الأرض دون استعمالها. ببساطة فإن الهدف من إطلاق القذيفة هُو توصيل حُمولَةٍ إلى مكانٍ أو هدف ما.
أُوَدُ أن أُقارن الكهنوت الذي نحمله بقذيفة والفرصة التي نحظى بها لكي ننتفع من قُوة المُخلص الكفارية بالحمولة التي تقوم هذه القذيفة بتوصيلها.
بفضل أضحيته الكفارية، فإن يسوع المسيح يمتلك القوة ليفدي كافة أبناء البشر. ولكي يجعل قُوته الكفارية مُتاحَةً للجميع، فقد كَرَسَ جُزءاً من قُوته وسُلطته للبشر على الأرض. هذه القُوة أوالسُلطة المُفوضة تُدعى الكهنوت. هذه القوة تسمح لحملة الكهنوت على الأرض بمُساعدة الآب السماوي ويسوع المسيح في عملهما، ألا وهو جلب الخلاص والإعلاء إلى أبناء وبنات الله. هي كذلك لأنها تمنح أبناءه وبناته الفرصة كي يتسلموا بركات قُوة المُخلص الكفارية.
قوة يسوع المسيح الكفارية ضرورية وأساسية لأنه لا يُمكن لأيٍ منا أن يرجع إلى منزلنا السماوي من دون مُساعدة. في الحياة الأرضية، فإننا نرتكب العديد من الأخطاء المُتنوعة ونخرق قوانين الله. نُصبحُ مُلطخين بالخطيئة ولا يُسمَحُ لنا بعدها بالعودة للعيش في محضر الله. نحن نحتاج إلى قُوة المُخلص الكفارية لكي نتصالح مع الآب السماوي. لقد كَسَرَ يسوع المسيح قُيود الموت الجسدي، واهِباً القيامة لنا جميعاً. هُو يُقَدِمُ لنا المغفرة للخطايا، ألا وهي المغفرة المشروطة بطاعة قوانين ومراسيم إنجيله. من خلال المسيح يمكن للبشر أن يحققوا الإعلاء. إن الفرصة للانتفاع من قوة المُخلص الكفارية هي الحُمولة الأكثر أهميةً للخليقة بأكملها.
ولأجل أن يتحقق هدف الآب السماوي، فإن قوة المسيح الكفارية يجب أن تكون مُتاحَةً لأبناء وبنات الله. إن الكهنوت ضروريٌ لأن المراسيم والعهود اللازمة على الأرض يجري تقديمها وتوفيرها فقط بواسطته. إذا عَجِزَت "قذيفة" الكهنوت عن توصيل فرصة الانتفاع من قُوَة المُخلص الكفارية إلى هدفها، إذاً ماذا سيكون الهدف منه؟ أيكون بمثابة لُعبَةٍ ناريةٍ مُعقدةٍ دورها استقطاب الانتباه فقط؟ إن الله يرغبُ في أن يكون الكهنوت أكثر من مجرد موضوع فصلٍ دراسي نحضره يوم الأحد في الكنيسة أو مُجرد فُرصَةٍ لتأديةِ خدمةٍ. إن الهدف منه هو أن يكون وسيلةً لتوصيل حُمولةٍ نافعة.
حصول بعض الأخطاء البسيطة أو العَرَضيةِ في تصميم القذائف قد تتسبب في فشل المهمة. هشاشة المواد التي تُصنع منها القذيفة قد تتسبب في تعطلها وفشلها في العمل. ولكي نحمي الكهنوت مما يشبه المواد الهشة، فإن الله يحمي طُرُق توصيله واستخدامه. توصيل الكهنوت تحميه مفاتيح الكهنوت، والتي تُعَدُ بمثابة الحقوق الرئاسية التي تُمْنَحُ للانسان. إن استخدام الكهنوت مَحْميٌ بالعهود التي يقطعها حامل الكهنوت. الكهنوت ليس قُوةً مُستقلة واعتباطية مبهمة الشكل؛ إن استخدامه محكومٌ بالعهود. إضافة إلى ذلك، فإن سُلطة وقوة الكهنوت يجري منحها علي نحوٍ فردي لكنها تصبح جزءا لا يتجزأ من شخصية الفرد. الكهنوت ليس مصدرا عشًوائيا للسلطة الذاتية.
كُلٌ من قوة كهنوت هارون وملكيصادق يجري تسلمهما عن طريق قطع العهود. الله يضع الشروط والإنسان يقبلها. عموما، حملة الكهنوت يتعهدون بمساعدة الله في عمله. في أوائل هذه الحقبة النبوية أوضَحَ يسوع المسيح بأن عهد الكهنوت ”يُمنح لكم لأجل صلاحكم، وليس لأجلكم فقط، بل لأجل صلاح العالم بأكمله... لكي يُقبلوا إليَّ".
هذا يُعلمنا بأن الهدف من الكهنوت هو دعوة الآخرين لأن يُقبلوا إلى المسيح ومساعدتهم على تسلم الإنجيل المُستعاد. نحن نمتلك الكهنوت لنُساعد أبناء الله على أن التحرر من عبء الخطيئة وأن يصبحوا مثله. من خلال الكهنوت فإن قوة التقوى تلك يظهر تأثيرها على حياة من يقطعون عهود الإنجيل ويحافظون عليها ويتسلمون المراسيم المُرافقة لها. بهذه الطريقة يُقبِلُ البشرُ إلى المسيح ويتطهرون ويتصالحون مع الله. قُوةُ المسيح الكفارية أصبحت مُتاحَةً للجميع عن طريق الكهنوت الذي يقوم بتوصيل الحمولة.
إن العهود مع الله جديةٌ ورسمية وتتسم بالجلال. يجب على الرجل أن يتهيأ، ويتعلم عن، ويقطع مثل تلك العهود وهو عازمٌ على أن يحترمها ويلتزم بها. العهد يُصبح بحد ذاته التزاماً ووعداً. وأقتبس هنا مع إعادة الصياغة ما قاله الكاتبُ المسرحي روبرت بولت، "إن الرجل يقطع عهداً فقط عندما يكون هُو نفسه راغباً في أن يلتزم بوعدٍ". فإنه بذلك يصنع هوية هي الفرق ما بين حقيقة التزامه بالوعد وحقيقة تمسكه بالفضيلة. عندما يَقطع الرجلُ عهداً، وتكون نفسه عندئذ تماماً كالماء المحمول في كفي اليد فإذا حَرَكَ المرء أصابعه ينسكب الماء منها ولا يمكن له إمساكه. من يخرق العهد فلن تكون له نفسٌ لتلتزم ولن تكون كلمته محل ثقة".
حاملُ كهنوت هارون يتعهد بأن يتجنب الشر، وبأن يُساعد الآخرين على أن يتصالحوا مع الله وأن يتهيأوا ليتسلموا كهنوت ملكيصادق. تلك المسؤوليات والمهماتُ المُقدسة يجري إنجازها عندما يُعَلِمُ، ويُعَمِدُ، ويُقوي أعضاء الكنيسة، ويدعو الآخرين لأن يَقْبَلوا الإنجيل، تلك هي مهام ”قذيفته“. بالمقابل، فإن الله يعدنا بالأمل والرجاء، وبالمغفرة، وبخدمة الملائكة، وبمفاتيح إنجيل التوبة والمعمودية.
يتعهد حامِل كهنوت ملكيصادق بأن يُتَمم المسؤوليات المُرافقة لكهنوت هارون ولأن يُعَظِمَ دعوته في كهنوت ملكيصادق. هُوَ يفعلُ ذلك بالحفاظ على الوصايا المُرافقة لذلك العهد. هذه الوصايا هي بما فيها ”اجتهاده في الاستماع إلى كلمات الحياة الأبديةِ“ وعيشه حسب ”كُلِ كًلِمَةٍ تخُرُجُ من فم الله، والإدلاءِ بشهادته ليسوع المسيح وبعمله في الأيام الأخيرة، وتجنبه التباهي والتفاخر بنفسه، وبأن يصير صديقاً للمُخلص، واثقاً به تماما كما يثق الصديق بصديقه".
بالمُقابل، فإن الله يَعِدُ حامل كهنوت ملكيصادق بتسلم المفاتيح اللازمة له لكي يفهم أسرار الله. سيُصبحُ مُهيئاً بالكامل للوقوف في محضر الله وسيُصبحُ قادراً على تأدية دوره في عمل الخلاص. يسوع المسيح سيُعِدُ الطريق أمام حامل الكهنوت وسيكون معه وإلى جانبه. الروح القُدُسُ ستسكن في قلب حامل الكهنوت وستحمله الملائكة. جسده سيتقوى ويتجدد. سيصبحُ وريثاً لبركات إبراهيم، وهو وزوجته سيصبحون ورثةً وشُركاء ليسوع المسيح في ملكوت الآب السماوي. ”تلك هي وُعودٌ عظيمة وقيمة. وُعُودٌ لا يُمكنُ تصورُ عظمتها.
بالنسبة لكلُ رجلٍ يتسلم كهنوت ملكيصادق، فإن الله يُثبت ويؤكد له وُعود عهده بقَسَم. هذا القسَم خاصٌ فقط بكهنوت ملكيصادق، والله وحده هو من يُشرفُ على هذا القسم، وليس حامل الكهنوت. ولأن تلك الحالة النادرة والفريدة لها علاقةٌ بقوته وسلطته الإلهية فإن الله يستخدمُ في هذا القسم أقوى الكلمات والعبارات التي بإمكانه استخدامها، لكي يؤكد لنا على طبيعة وشكل وُعوده المُلزمة والتي لا مجال للتراجع عنها.
قد تتمخض نتائج مؤلمة عن خرق عهود الكهنوت أو التخلي عنها كليا. إن التقاعس في تأدية دعوة الكهنوت يُشبه تماما صُنع جسم القذيفة من مواد هشة غير قوية. إنها تُعرض عهد الكهنوت إلى الخطر لأنها يُمكنُ أن تؤدي إلي فشل المهمة، عدم طاعة وصايا الله هو بحد ذاته خرقٌ للعهد. يجري سحب البركات الموعودة من خارقي العهد.
الهدف من استخدام كهنوت الله بأية طريقةٍ، هُوَ مُساعدَةُ الآب السماوي ويسوع المسيح في عملهما، وهو توفير الفرصة لكُلٍ إبنٍ من أبناء الله بأن يحظى بالفداء والإعلاء. تماما مثل هَدَف القذيفة المُوَجَهة لتوصيل حُمولة إلى هدف ما، فإن الكهنوت يُوَصِلُ إنجيل يسوع المسيح، مُمَكِّناً الجميع من أن يقطعوا العهود ويتسلموا المراسيم المُرافقة لها. ”دَمُ المسيح الكفاري يمكنه أن يُطَبَقَ على حياتنا عندما نختبر تأثير الروح القُدُس المُطهر والمُنقي ونتسلم بركات وُعود الله.
إضافةً إلى طاعتكم لقوانين ومراسيم الإنجيل، أدعوكم لأن تقطعوا عهود الكهنوت وتحافظوا عليها . عظموا مسؤولياتكم في الكهنوت لتُساعدوا الآب السماوي ويسوع المسيح. استخدموا الكهنوت للمساعدة في منح شخص ما الفرصة للانتفاع من قوة المخلص الكفارية! عندما تفعلون ذلك، فإن بركات عظيمة ستحل عليكم وعلى عائلاتكم.